Contents
الرئيس التنفيذي للسويس للأسمنت: صناعة الأسمنت في “ورطة”.. ولابد من تدخل حكومي سريع لإنقاذها (حوار)
صناعة الأسمنت في مصر على المحك، أزمة حرجة قد تعصف بكثير من المصانع العاملة في السوق، وسط منافسة شرسة، وحرق أسعار، مع التخمة الكبيرة في المعروض، وتراجع الطلب، وحالة من التشاؤم بين العاملين في القطاع حول مستقبل الصناعة.
وقال خوسيه ماريا ماجرينا، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات السويس للأسمنت، في حوار خاص مع مصراوي، إن صناعة الأسمنت في “ورطة” حقيقية، بسبب الزيادة الكبيرة في الطاقات الإنتاجية، ودخول طاقات إنتاجية كبيرة في السوق، في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب خلال أخر 3 سنوات، بنحو 5% كل عام.
وترى شركة السويس للأسمنت، أن وضع السوق حاليا، يشهد “منافسة تخريبية”، مع وجود فائض في الإنتاج يصل إلى نحو 34 مليون طن، وهو ما يهدد بإغلاق وإفلاس عدد كبير من المصانع العاملة في السوق، ويعطي رسالة سلبية للاستثمار الأجنبي والمحلي عن مصر.
وقال خوسيه ماريا، إن الوضع الحرج الذي تمر به الصناعة حاليا، يحتاج إلى تدخل سريع، من الحكومة، والحديث مع الشركات العاملة في السوق من أجل التوصل إلى حل لإنقاذها من التعثر والإغلاق.
وأضاف أن الدولة يجب أن تتدخل لإيجاد طريقة لحل الأزمة الحالية، عبر دراسة وضع السوق واحتياجاته، من أجل إعادة التوازن في السوق.
ويرى خوسيه أن الدولة لديها القدرة على التدخل، وفقا للقوانين والقواعد الحاكمة للسوق، من أجل حماية الاستثمارات الكبيرة في قطاع الأسمنت، الذي يعمل به آلاف المصريين وإعطاء رسالة إيجابية للمسثمريين.
** بداية ما هي التحديات التي تواجه صناعة الأسمنت في مصر حاليا؟
صناعة الأسمنت في مصر تواجه موقفا صعبا للغاية، ويمثل خطرا على وجودها واستمرارها. وهذه الأزمة لها سببان، الأول هو دخول طاقات إنتاجية كبيرة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الإنتاج، بدرجة تفوق معدلات الطلب بكثير، وهو ما أخل بتوازن العرض والطلب في السوق، حيث أن الزيادة الكبيرة في الإنتاج أدت إلى خفض الأسعار لمستوى أقل من التكلفة، لأن كل الشركات تريد أن تبيع وتحافظ على حصتها، ومن ثم تلجأ إلى حرق الأسعار.
أما السبب الثاني فهو انخفاض الطلب في السوق خلال أخر ثلاث سنوات بنسبة 5% كل عام تقريبا، وهو ما زاد من حدة المشكلة لأن السوق الذي كان مشبعا أصلا، زاد فيه الإنتاج وتراجع الطلب في نفس الوقت، ونتيجة لذلك وجدنا مصانع أغلقت بالفعل مثل القومية للأسمنت، الذي قررت الحكومة تصفيته، وكذلك مصنع طرة التابع لنا، الذي قررنا وقفه مؤقتا، للحد من الخسائر، كما أننا سمعنا عن شركات أخرى توقفت.
** ما هو حجم الإنتاج والاستهلاك في السوق حاليا؟
تصل القدرات الإنتاجية في السوق حاليا إلى نحو 82 مليون طن، بينما لا يزيد الاستهلاك على 48 مليون طن، أي أن الفائض حوالي 34 مليون طن، وهذا فارق كبير جدا، أدى إلى اختلال العرض والطلب في السوق، وأغلب الشركات تعمل حاليا بحدود 50% أو أقل من طاقتها الإنتاجية.
**كيف أثر دخول الطاقات الجديدة المملوكة للدولة على السوق والشركات؟
نحن في شركة السويس للأسمنت، نتيجة لهذا الموقف الصعب، اضطررنا لهيكلة العمالة بحوالي 2100 موظف، بالإضافة إلى 1500 من العمالة غير المباشرة، وبالطبع لم نكن نتمنى أن نصل إلى هذا الوضع، كما أن هذا الأمر كلفنا أيضا مبالغ كبيرة، لأننا دفعنا مبالغ مالية للموظفين الذين استغنت عنهم الشركة، وأدى ذلك إلى زيادة ديوننا، لتصل إلى 2 مليار جنيه، برغم القيمة الإيجابية التي كانت تتراوح ما بين 400 و500 مليون جنيه قبل الأزمة، وذلك نتيجة للخسائر التي تكبدتها الشركة بسبب البيع بأسعار أقل من التكلفة، ولسداد المبالغ المخصصة للموظفين المستبعدين. كما أن الشركة لم توزع أرباحا على مساهميها منذ حوالي 6 سنوات.
فشركة السويس للأسمنت التي تمتلك 4 مصانع في مصر بقدرات إنتاجية تصل إلى 12 مليون طن، لا تنتج حاليًا أكثر من 7 ملايين طن، أي أنها تعمل بنحو 59% فقط من قدراتها. كما أنها باعت في الفترة الأخيرة مصنعا للأسمنت الأبيض وأخر للأكياس، من أجل السيطرة على مصروفاتها وتقليص النفقات، وتوفير سيولة لاستمرار نشاط الشركة.
ونرى أن استمرار هذا الوضع خطير بالنسبة لشركات القطاع الخاص جميعا، لأن عليها التزامات مالية، وضغوطا من المساهمين لتحقيق أرباح على أموالهم. هذه الأموال التي ينفقها المستثمرون ليست “مجانية”، وإذا لم يحققوا منها عوائد مرضية فالأفضل لهم أن يضعوها في البنوك.
** تحدثت عن تراجع المبيعات في السوق.. ألا يعد هذا غريبا في ظل توسع الدولة في مشروعات البنية التحتية والمدن الجديدة؟
أعلم أن هناك مشروعات كبيرة في البنية التحتية، لكن الواقع، أن الطلب الكبير الحقيقي على الأسمنت، يأتي من الأفراد، وليس المشاريع الكبرى، فمثلا سوق الأفراد في الدلتا والمحافظات، الذين كانوا يبنون منازلهم الصغيرة في المدن والقرى، هم أصحاب الطلب الفعلي، ويمثلون السوق الأساسي لنا، هذا الطلب اختفى تماما، نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وتعويم الجنيه، وخفض الدعم، وغيرها من الإجراءات التي أثرت على دخول المواطنين، وأضعفت الطلب على الأسمنت. فمعدل الطلب في مصر وصل لذروته في عام 2016 حيث بلغ حجم المبيعات حوالي 54 مليون طن، ومن بعدها بدأ التراجع وصولا إلى 48 مليون طن حاليا.. كما أن الطلب من المتوقع أن يواصل التراجع في الفترة المقبلة خاصة مع اقتراب الانتهاء من عدد كبير من مشروعات البنية التحتية والمشروعات الكبرى.
** هل تتوقع حدوث حالات إفلاس وإغلاق لشركات ومصانع أسمنت في الفترة المقبلة؟
إغلاق وإفلاس الشركات هي أمور سلبية للغاية وستؤثر على الاقتصاد بشكل عام، ولكن إذا استمر هذا الوضع فإن شركات ومصانع أسمنت أخرى ستغلق وتتعرض للإفلاس. وإذا لم تتدخل الدولة لإنقاذ الصناعة بسرعة، قد نرى 10 مصانع أخرى أغلقت، ولا يبقى سوى الشركات الكبرى التي يمكنها أن تصمد، ولكن هذا الأمر ليس مفيدا لاقتصاد البلاد، حيث يؤدي إلى وضع احتكاري في السوق، كما أنه يرسل رسالة سلبية للغاية للاستثمار الأجنبي والمحلي عن مصر. فكيف تقنع مستثمر بالدخول إلى السوق وهو يرى أن بعض الصناعات تغلق وتتدهور وشركات القطاع الخاص تعاني، ولذلك فإنه على المدى البعيد يجب على الدولة أن تحافظ على وجود كل هؤلاء اللاعبين في السوق، وبدون أن تنافسهم.
** وماذا عن موقف شركة السويس للأسمنت.. هل تفكرون في الخروج من السوق؟
بالطبع لا، نحن موجودون في السوق ومستمرين، مهما حدث، لأننا نؤمن بأهمية السوق المصري، خاصة أن الشركة تجد المساندة والدعم المالي من شركتها الأم وهي مجموعة “هيدلبرج سمنت” الألمانية، التي تتواجد في حوالي 63 دولة، وهي ثاني أكبر شركة أسمنت في العالم، لكن المشكلة الأكبر ستكون لدى المصانع الصغيرة ومتوسطة الحجم، التي ستضطر للإغلاق إذا استمرت في الخسارة، وهذا يقدم نموذجا سيئا للغاية للاستثمار المحلي والأجنبي.
** هل ترى أن الاتفاق على خفض الإنتاج في الشركات قد يكون حلا لإعادة التوازن في السوق؟
الشركات لا يمكنها أن تفعل ذلك، ولكن الأمر بيد الجهة المنظمة إن رأته حلاً في الوقت الحالي، من أجل استعادة توازن السوق، ولكن يجب أن تأتي هذه الخطوة من الجهة التنظيمية التي تبين كيفية القيام بذلك حتى تضمن حماية حقوق جميع أصحاب المصلحة.
ونحن نعتقد أن الحكومة لديها القدرة على التدخل وفقا للقواعد القانونية المنظمة للسوق، لفرض هذا الأمر، لأننا في وضع يمثل أزمة كبيرة تستدعي حلولا غير تقليدية وحاسمة لإنقاذ الصناعة.
** وماذا عن خفض أسعار الغاز.. هل يمكن أن يساعد ذلك في تقليل التكلفة؟
بداية تقليل التكلفة على المصانع ليس حلا، لأن المنافسة ستظل قائمة وسوف تدفع المصانع إلى خفض السعر بمقدار الانخفاض في التكلفة، وستظل القدرات الإنتاجية والأزمة كما هي. في النهاية سيتم تمرير هذا التخفيض إلى المستهلك الذي لن يدفع التكلفة الحقيقية للمنتج بل التكلفة المدعومة، ونحن نعلم أن الدعم ليس هو الحل الصحيح اقتصادياً.
أما بالنسبة للغاز، فإنه من الناحية الاقتصادية من الأفضل للدولة أن تستخدمه في الصناعات البتروكيماوية، من أجل الاستفادة منه والحصول على قيمة مضافة، بدلا من حرقه في مصانع الأسمنت. على الجانب الأخر لا تزال أسعار الغاز مرتفعة للغاية مقارنة بأنواع الوقود البديل المستخدم حاليا في مصانع الأسمنت مثل الفحم والمخلفات، وحتى يكون سعر الغاز منافسا لهذا الوقود فإن سعره لابد أن ينخفض إلى حدود 1.6 أو 1.8 دولار للمليون وحدة حرارية، بدلا من 6 دولارات حاليا، وهو ما لا نتوقع أن يحدث ولا نرى أنه حل أيضا، لأن المشكلة في الطاقة الإنتاجية الكبيرة وليس التكلفة.
** الحكومة اجتمعت مع مصنعي الأسمنت في منتصف العام الماضي.. وطرحت عليكم بعض الحلول.. ما هي نتيجتها على أرض الواقع؟
الحقيقة أن الحلول المقترحة من جانب الحكومة حتى الآن لا تعالج المشكلة من جذورها، نحن نطالب الحكومة بأن تتواصل معنا، فالخطوة الأولى لحل المشكلة أن تستمع لصاحب الأزمة ومقترحاته، لحلها بشكل فعال، وهذا ما لم يحدث حتى الآن للأسف.
وأذكر لك مثالا نأمل أن تدرسه الحكومة، حيث تمتلك شركتنا قطعة أرض مساحتها نصف مليون متر مربع في منطقة طرة على كورنيش النيل، وقد اقترحنا تطويرها ودفع القيمة العينية العادلة مقابل تحويل غرض الأرض من صناعي إلى سكني. وسوف يؤدي ذلك إلى تطوير المنطقة بالإضافة إلى دخل كبير محتمل للحكومة، مقابل السماح لنا بالاستفادة من هذه الأرض غير المستغلة ولكن هذا أيضا لم يجد استجابة من الحكومة.
** لكن الحكومة عرضت على الشركات تقديم دعم على التصدير من أجل فتح أسواق لتصريف جزء من الإنتاج؟
التصدير ليس حلا على الإطلاق، الأسمنت صناعة محلية في الأساس، كما أن سعر الأسمنت المصري غير منافس مع وجود فائض وأسعار أقل في الدول المجاورة، هذا إلى جانب أن الدعم الذي تحدثت عنه الحكومة لا يصرف فورا، وقد تصرفه بعد سنوات، فنحن في الشركة لنا مستحقات متأخرة منذ عامين ونصف.
** هل لديك مقترحات أخرى إلى جانب تقليل الإنتاج من الممكن أن تطرحها على الحكومة لحل أزمة المصانع؟
بداية الحلول موجودة ومتنوعة ويمكن أن نفكر فيها مع الحكومة، ونتوصل لأفضل صيغة لإنقاذ استثمارات بالمليارات في مصانع الأسمنت. وعلى سبيل المثال لأن تكلفة نقل الأسمنت في مصر رخيصة للغاية، فإننا نخلق مشكلة تضر بسلامة وآمان الطرق وذلك من خلال حمولة السيارات الكبيرة التي تطوف جميع أنحاء البلاد، فشاحنات النقل “المقطورات” تحمل كميات ضخمة تصل إلى 60 طنا وهو ما يؤدي إلى كثير من الحوادث، بينما من الممكن أن تقرر الحكومة ضمن خطتها لتحديث الطرق والبنية التحتية، أن تمنع سير هذه المقطورات الكبيرة، وأن يكون أقصى كمية يمكن تحميلها 30 طنا، كما هو الحال في أوروبا، وهذا الأمر له أكثر من استفادة، أولا تحقيق الأمن والسلامة على الطرق، لأن هذه المقطورات الكبيرة خطيرة جدا وتسبب حوادث قاتلة، كما أنك تحافظ على الطرق وتقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأن السيارات لن تسير مسافات طويلة، بالإضافة إلى مساعدة شركات الأسمنت، لأنه في هذه الحالة كل مصنع سيبيع في المناطق المجاورة له.
وفي أوروبا تفرض غرامات كبيرة تصل إلى 2000 يورو على الشاحنة التي لا تلتزم بالحمولة المقررة، وتتحمل المصانع هذه الغرامة وليس السائق، وهو ما يرفع على المصنع عبء النقل، إذا خالف هذه التعليمات.
** هناك من يقول إن شركات الأسمنت حققت أرباحا طائلة في السنوات الماضية.. وأنكم لا تريدون تحمل بعض الخسائر بسبب ظروف السوق؟
هذا الطرح غير مقبول من الأساس، حتى على المستوى الشخصي، فهل توافق على حجب راتبك لأنك كنت تحصل عليه في الشهور السابقة!. والحقيقة أن من يردد هذا الكلام يريد أن ينفض يده من المشكلة ولا يسعى لحلها.. المستثمر يضخ استثمارات ويريد أن يحقق أرباحا، وهذا أمر طبيعي، كما أن الاستثمار في مصانع الأسمنت كبير جدا، ومن ثم لا يجب أن ننظر إلى قيمة الربح فقط ولكن لابد أن نأخذ في اعتبارنا قيمة الاستثمار، فإذا كنت تستثمر مليار دولار وحققت أرباحا 100 مليون دولار، فهذا ليس عائدا كبيرا، لأنك من الممكن أن تحقق أفضل منه إذا وضعت أموالك في البنك وبدون أي عناء.
وأقول لمن يردد هذا الكلام.. جرب أن تقول للمستثمرين الأجانب والمحليين ذلك.. أنه لا مانع من تحقيق خسائر بعد سنوات من جني الأرباح.. وسترى وقتها من سيأتي للاستثمار!!
** ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها للحكومة؟
أقول للحكومة إن عليكم أن تتحركوا، الآن، لإنقاذ الصناعة، لأن الوضع حاليا خطير جدا، وإذا تفاقم وأدى لإغلاق عدد أكبر من الشركات، فإنه يقدم نموذج سيئ للاستثمار وحينها لن يمكن تدارك الأمر.. ويمكن تفادي ذلك وتقديم رسالة إيجابية بتدخل الحكومة وحل المشكلة لتؤكد على تشجيعها القطاع الخاص.
المصدر :